قصة نجاح مرتضى الدندشي
بدأت قصتي بعد التخرج من جامعة حلب في عام 1993، حيث قررت حينها السفر خارج الدولة لإيجاد فرصة عمل تحقق طموحي ولأتمكن من سداد بدل

قصة نجاح مرتضى الدندشي

 محمد المرتضى الدندشي

مواليد 1 كانون الثاني عام 1971، في مدينة تلكلخ، الجمهورية العربية السورية استكمل دراسته الثانوية في تلكلخ ومن ثم درس في جامعة حلب تخصص اقتصاد وتخرج في العام 1993.

 قرار الرحيل – السفر

بدأت قصتي بعد التخرج من جامعة حلب في عام 1993، حيث قررت حينها السفر خارج الدولة لإيجاد فرصة عمل تحقق طموحي ولأتمكن من سداد بدل التجنيد الالزامي البالغ 5000 دولار وأقلعت الطائرة بتاريخ 14/5/1994 بفيزا زيارة إلى إمارة الفجيرة في دولة الامارات العربية المتحدة.

 خيار العمل، إستقرار أم مغامرة وتحدي

بعد مضي فترة من البحث عن وظيفة في مختلف المجالات، حصلت على عرضي عمل، أحدهما براتب شهري ثابت يبلغ 2500 درهم كمحاسب عن طريق أحد الأقارب والثاني كوسيط للعمل في شركة تتداول بالعملات في الأسواق العالمية براتب شهري وقدره 800 درهم بالإضافة الى عمولة عن طريق جريدة يومية (جريدة الخليج).

عندما فكرت في ذلك الوقت لأتمكن من اتخاذ القرار، كنت أنظر الى المستقبل، سنة وسنتين وثلاث، ورأيت نفسي في كلا الوظيفتين، في وظيفة المحاسب رأيت نفسي في نفس المكتب الذي سأبدأ فيه، أقوم بنفس المسؤوليات، بالتأكيد سأتطور وأحصل على الترقيات وبعض العلاوات ليصبح الراتب 4000 درهم على أفضل تقدير وربما بعد سنين اضافية أصبح مدير قسم المحاسبة أو حتى مدير مالي ولكنها في النهاية وظيفة في مكتب مغلق، لم أرى نفسي في هذا السيناريو.

في وظيفة الوسيط في أسواق العملات والذهب العالمية، رأيت تحديات جمة أولها راتب لا يكفي ، 800 درهم لا تكفي الا مصاريف المواصلات ووجبة طعام واحدة في اليوم (نصف فروج من مطعم جولدن فورك) والإقامة عند أقارب لي، كما أنه مجال لا أفهمه واحتمال السقوط فيه كبير، لكن في المقابل إن استطعت الحصول على عميل وبدأت التداول وحصلت على عمولات فسأعوض فرق الدخل في شهور قليلة، كما أنني أيضاً رأيت عالماً جديداً وجذاباً واحتمالات النمو فيه غير محدودة رغم الصعاب المرتقبة، وطبيعة العمل الخطرة والممتعة والتعرف على الناس والتعلم منهم ، كلها جوانب أرغب بها بشدة وتستهويني لحبي للمغامرة.

أسترجع تلك الذكريات وكأنها تمر أمامي الآن، حيث كانت الأصوات مدوية من حولي من الأقارب بأن الخيارات صعبة وأن فرص العمل محدودة وأن مؤهلاتي بحاجة الى تطوير وأن المساعدة محرجة، غير أنني لم أكن أرى أو أسمع إلا لذاتي بأنني سوف أعمل بكل إجتهاد وإصرار لتحقيق النجاح، هذا ما كان يدور فعليا في ذهني.

بصراحة لم يكن القرار صعباً، رأيت مستقبلي وبدأ مشوار المغامرة…

تحديات البداية (أول عقد عمل)

شركة ليدر ميدل ايست، شركة أجنبية تقدم خدمات التداول بالعملات الأجنبية والمعادن الثمينة، وتشكل آنذاك معظم فريقها من أجانب متعددي الجنسيات.  أين أنا في هذه الشركة؟ مجال جديد لم يكن لي فيه خبرة، ولغتي الإنجليزية ضعيفة، حتى قدرتي على النطق السليم كانت تحدياً في حين اعتاد طاقم الشركة على تداول مصطلحات متخصصة وغير مألوفة بالنسبة لي، كما ان طريقة تعامل هذه الجنسيات مختلفة خاصة وأنني قادم من مدينة صغيرة نوعاً ما متحفظة، وجو العمل وطبيعة عملاء الشركة مختلفة.  باختصار، كانت الاجواء بمثابة عالم جديد خارج عن سيطرتي، ولكن يبقى كل من الإصرار والإرادة والإيمان تحت سيطرتي.

باشرت العمل بالقراءة ليلاً نهاراً، كما تابعت الأسواق العالمية والتحاليل المالية واستمعت كثيراً لإدارة الشركة ولزملائي وأساليب نقاشهم حول أداء الأسواق وبحثت عن كل كلمة لم أفهمها وكل مصطلح له علاقة بمجال عملنا. وكان طبعاً كل ذلك باللغة الإنجليزية مما تطلب مني جهوداً دامية، حيث استغرقت تلك المرحلة مني أوقات مضاعفة للترجمة والاستيعاب، كما حضرت العديد من البرامج التدريبية، وكنت أراقب عن كثب كل من حولي من إدارة وموظفين وزملاء وكيفية عملهم وكلامهم وتحليلهم للأسواق، وكيفية تعاملهم مع هذه الأسواق كأنها ثور هائج. غير أن الإرادة هي الأمل الذي تمسكت به لمجابهة هذه التحديات.

ولم تمضي إلا عدة شهور حتى وجدت نفسي متأقلماً وعضواً فعالاً في الفريق. وشعرت آنذاك بلذة النجاح وبدأت أجني ثمار جهدي، حيث بدأت أستقطب حسابات للعملاء والتداول لهم في الأسواق العالمية، وخلال سنتين أصبح الراتب الشهري 10 آلاف درهم اضافة الى العمولات. كما أصبحت مدير فريق وكنت مسؤولاً عن وضع البرامج التدريبية للموظفين الجدد لتأهيلهم للعمل.

فصلٌ جديد

في عام 1997 طلب مني أحد عملائي مساعدته في إتمام صفقة بيع أسهم في سوق الإمارات والتي كانت في وقتها غير منظمة بعد، وأتممت الصفقة بسهولة، وكانت هذه الصفقة أول ما لفت انتباهي نحو الأسواق المحلية، لمست من خلالها سلاسة الأمور وانخفاض درجة المخاطر مقارنة مع الأسواق العالمية، حيث يعد التداول في أسواق العملات الأجنبية الأعلى نسبياً من حيث المخاطر مقارنة مع الأدوات الاستثمارية الأخرى مما يعرض العملاء لمخاطر أعلى تهدد المصداقية والسمعة التي نقوم على بنائها. وقد اتخذت في حينها القرار بأن أتجه للأسواق المحلية مع إدراكي بأنها تنطوي على فرص وفيرة للنمو وبناء مصداقية استثمارية عالية وسمعة مالية متينة. ومن هناك بادرت بعرض الفكرة على أحد عملائي في السوق العالمي، ممن تجمعني به علاقة مهنية عالية، بأن نستثمر مبلغاً في السوق المحلي، وتحمس العميل كثيراً للفكرة وأخبرني لك ما تريد. بدأت العمل معه في السوق المحلي كمدير محفظة استثمارية مقابل راتب 10 آلاف درهم و25% من الأرباح المحققة وبدأنا المحفظة بمبلغ 5 ملايين درهم.

تمكنت خلال ستة أشهر من إعادة رأس المال المستثمر بالكامل إضافة إلى عوائد أرباح بنسبة 250%. وكنا في غضون ذلك نحاول الحصول على ترخيص للوساطة في الأسواق الإماراتية من المصرف المركزي، إلا أن رفع الضوابط والمتطلبات الخاصة بذلك حال دون الحصول على الموافقة، مما قادني للتفكير بالانتقال إلى شركة مرخصة والتوسع بها، وذلك لرغبتي بأن أكون ضمن منظومة وهيكلية قانونية قادرة على التطور والنمو وبناء قاعدة صلبة من العملاء.

شركة الرمز –البدايات
في العام 1998، “لا أعلم بالتحديد إن كنت أنا من وجد المستثمر أم المستثمر من وجدني”، حيث التقيت آنذاك بشاب اماراتي أخبرني بأن لديه رخصة قائمة لشركة وساطة برأسمال صغير لكنه بحاجة الى إدارة لتمسك زمام الأمور. وكون أعمارنا متقاربة، رأيت أنه من السهل التعاون معه وإيجاد تناغم في الرؤية وانسجام الأهداف، وهي عناصر أساسية في معادلة النجاح والارتقاء بمسيرة العمل.

كانت الشركة مرخصة للوساطة في أسواق المال المحلية برأسمال قدره 500 ألف درهم استدانه المستثمر من والده، وكانت الشركة متكبدة خسارة بقيمة 600 ألف درهم ورأس المال فعليا غير موجود. وقد اتفقت مع المستثمر بأن أدير الشركة، حيث تضمن الاتفاق بأن استلم إدارة الشركة مقابل ان أستحق ثلث الأرباح وثلث الأرباح له والثلث الأخير لوالده الذي قام بتمويل رأسمال الشركة. وتم توقيع الاتفاقية وتوكلت على الله ليبارك لنا في الشركة، وكان الشريك شاب طموح ونشيط ولديه علاقات متينة وواسعة. انطلقت أعمالنا سوياً وترجمنا العلاقات إلى صفقات استثمارية بشكل سريع وبحمد الله انتقلت الشركة من الخسارة الى الربحية خلال ستة أشهر.

الرمز- مرحلة النجاح
أصبحت الشركة في غضون عامين من ضمن الشركات الرئيسية في أسواق رأس المال وتنافس أعرق العاملين وأطولهم باعاً في هذا الصناعة. وأقول بكل فخر أنني كنت الشاب السوري الوحيد الذي بدأ العمل في هذه الصناعة واستطاع أن يكون منافساً قوياً للجميع حتى البنوك الكبرى وأصبح يضُرب به المثل. وتمثل هدفي الرئيسي بالحفاظ على أعلى مستويات المصداقية والأمانة في العمل لصون السمعة الطيبة واكتساب ثقة العملاء والمستثمرين على حد سواء.

وفي عام 2005، ارتقت الأعمال المتنامية بأداء شركة الرمز لتصبح من أهم الشركات في أسواق رأس المال، وانتابت آنذاك الشريك موجة من الحماس والاندفاع بأن الشركة هي عمل يمينه وأنه قد آن الأوان بأن يتخارج من الشركة ويبيعها خصوصا بعد أن حصل على تقييم للشركة بمبلغ 350 مليون درهم اماراتي (حوالي 100 مليون دولار) ويقينا بقدرته على تكرار هذه المسيرة مرة أخرى عبر شركة جديدة.

الرمز – مرحلة التغيير
خضنا خلال عامي 2005 و2006 مرحلة صعبة من التغيير والمفاوضات والقرارات العسيرة بعد أن اتخذ الشريك قراره ببيع الشركة. وقد قررت في تلك الحقبة شراء حصة رئيسية لتعزيز ثقة المساهمين الجدد واثباتاً لهم بأننا شركاء معهم على طول الدرب، وتمكنت من استقطاب عدد من المساهمين الهامين ممن سيكون لهم الأثر الإيجابي على مستقبل الشركة والمراحل اللاحقة، وقد تمت زيادة رأسمال الشركة الى 75 مليون درهم.

الرمز – مرحلة النمو والتنويع
وفي عام 2008 طالت عواقب اندلاع أزمة الائتمان العالمية العديد من الأنشطة الاقتصادية من ضمنها الأسواق المالية، حيث كان لها تبعات وخيمة آلت الى تصفية الشركات الضعيفة. وواجهنا في تلك الفترة العديد من الإستهدافات من قبل عدد من الأطراف من ضمنهم المساهمين القدماء اللذين لم يحالفهم النجاح في مشاريعهم الجديدة بعد ترك الرمز، وانهالت علينا محاولاتهم لتقويض مسيرتنا الناجحة من خلال اللجوء الى أساليب غير أخلاقية والتي بحمد الله تلاشت بلا صدى ولا أية عواقب سلبية على الشركة.
لم تتمكن تلك المساعي من تشتيت تركيزنا أو لفت أنظارنا عن وجهتنا الرئيسية ألا وهي تطوير الشركة بشكل مستمر، واتخذنا القرار هنا بالتركيز على تنويع مصادر دخلنا وتحصين أعمالنا بجد للحصول على تراخيص متعددة لتأسيس مصادر دخل متنوعة.

الرمز – دخول شريك استراتيجي

شهد عام 2010 بداية الطفرة بالنسبة لشركة الرمز من حيث التطور والنمو والتوسع مما استقطب شركة أبو ظبي للاستثمار (الذراع الاستثماري لمجلس أبو ظبي للاستثمار في السوق المحلي) للدخول كشريك استراتيجي من خلال دمج وحدة الوساطة التابعة لهم مع شركة الرمز مقابل امتلاك حصة 15% في شركة الرمز. وقد جاء هذا التغيير بمثابة تعزيز وتأكيد لنا على أننا بلا شك على المسار الصحيح. لقد صاحب بالطبع الانتقال نحو آفاق جديدة كهذه أعباء ومسؤوليات متزايدة كان لا بد لنا أن نحتضنها كي نبقى موضعا راسخا للثقة ومما دفعنا للمضي قدماً بكل عزيمة. كما تم لاحقا خلال عام 2014 رفع رأسمال الشركة الى 150 مليون درهم.

الرمز – مرحلة التحول والريادة وتنفيذ أول استحواذ عكسي في الإمارات
بعد أن تصدرت الرمز مكانة مرموقة في أسواق المال كشركة وساطة ناجحة وعريقة، انطلقت مساعينا وطموحاتنا نحو مرحلة جديدة مآلها الارتقاء بالشركة لتصبح بنكاً استثماريا متكاملا يسخر كافة الخدمات والحلول المالية المبتكرة لصالح المستثمرين من الأفراد والمؤسسات. ومن ثم حل علينا عام 2016 ليشهد ترجمة قرارنا بتحويل الشركة لشركة مساهمة عامة من طموح إلى واقع حي. وبعد دراسة العديد من الخيارات المطروحة، قررت تنفيذ ذلك عن طريق الاستحواذ على شركة مدرجة وتغيير اسمها وتعديل أنشطتها الاقتصادية، ولتشهد بذلك دولة الإمارات أول تطبيق لمفهوم الاستحواذ العكسي. ومن هنا تأسست شركة الرمز كوربوريشن للاستثمار والتطوير برأسمال مدفوع وقدره 549,915,858 درهم، شركة مساهمة عامة، تقدم العديد من الخدمات الاستثمارية منها إدارة الأصول وصانع السوق وتوفير السيولة وتمويل الشركات والأبحاث والوساطة في الأوراق المالية، وما زالت تحقق الأرباح لمساهميها وتقدم أفضل الخدمات لعملائها.
ملخص الرحلة
بدأت الرحلة بشركة رأسمالها 500 ألف درهم وكادر من 3 موظفين فقط، بينما أصبح اليوم رأسمال الشركة المدفوع حوالي 541 مليون درهم وقيمتها السوقية تقارب 800 مليون درهم ولديها 80 موظف. ولا زالت الرحلة مستمرة وتستهدف آفاقاً جديدة

على المستوى الشخصي

وعلى المستوى الشخصي، فلم أنسى في خضم كل هذه التحولات والنجاحات أن أقف مع أهلي ومدينتي وبلدي وعملت على تأسيس العديد من الشركات والمشاريع الحيوية في سوريا، إلا أنها توقفت إثر ما واجهته البلاد في السنوات الماضية من ظروف قاهرة، لكنني واظبت على دعم أبناء البلد من حيث التعليم والصحة والعمل الإنساني وإعادة بناء بعض المناطق التي تضررت نتيجة الحرب. يعود كل ذلك إلى قناعتي وإيماني الراسخ بمبادئ التكافل الاجتماعي والمسؤولية الإنسانية، حيث أبقى على يقين بأن قيمة الإنسان الحقيقية تقاس بما يقدمه لأخيه الإنسان.
لقد وجدت لذة العطاء للغير بلا مقابل ورؤية ثماره في الشباب والشابات وتغيير المفاهيم الفكرية في الحياة والعمل، ومما ولَد لدي شعوراً بالاكتفاء والرضا لا يقارن بأي نجاح حققته على المستوى المهني، فالعطاء غذاء الروح والقلب